الاثنين، 21 أكتوبر 2013

التدخين

الصورة لمحمد الحبسي



التدخين



التدخينُ حبوبُ بُنٍّ على جناحِ الفراشة المنطلقةِ نحوَ النارِ الأبدية، التبغُ أرضٌ خصبةُ على مقربةٍ من الشاطئ، الدخانُ سماءُ فنجانِ القهوةِ في ليلٍ شديدِ القسوةِ خاوٍ من الأحاديث: ملجأ بلا أبواب في صحراء تهبُّ رياحها: ملجأ هشٌ وكاف.



شربُ السجائر عند المنعطفِ أو الزاوية شيءٌ من غربةِ الوجود لمن اكتشفَ نفسهُ هنا والآن.


سلوةُ الوحيدِ وسط طغيانِ الثرثرة، سلوتهُ في البحث عن شيءٍ صُلبٍ مفقودٍ في دخانِ جمرة تبغ، سلوةٌ هي فلاحٌ تنغرسُ أقدامهُ في الطين كبحارٍ خاوي الوفاض يفتح ببطء باب بيته، وسلوةٌ هي مركزٌ حدوديٌ مهجور هنا والآن.


من ينفثونَ الدخان في الأماكنِ ويمضون مجردُ تعبيريين عن حرائقهم الداخلية، الدخانُ يتصاعدُ من سيح الأعشاب الجافة في صدورهم.


جماعاتٌ ممن يدمنون السهومَ والنظر، ويهربونَ عنهُ بشهوةِ الثرثرةِ وزرعِ الضحكِ الفاجرِ في بحار الصمم الصموت، أمواجهم القلبية تتشبهُ بالسماء في انتظار المطر، المطرُ رذاذ خفيفٌ ينزلُ على كوكبٍ وحيدٍ في الظلام.


لا أنسى قبلة امرأةٍ مستعجلةٍ لرجلٍ شديد الضجر، ولا أنسى شرفة نباتات في صباحٍ لاذ يَعِدُ بالجمال، بلا ضمانات.


ها أنتم ترونَ أنني أتحدثُ عن قدحِ ولاعات، وعيدان ثقابٍ تشتعلُ في الظلامِ كلّ فينةٍ وأخرى، متعٌ متكسرة، وقاية وحمايات، عن دماء منثورة ولا نمطيين لديهم عبواتُ تبغٍ في مكانٍ ما يتناولونها في اللحظة المناسبةِ وغير المناسبة كي لا تفوتهم اللحظات التي هي ماسٌ كهربائي وسَكينةٌ خداعة، ولعبة أطفال تحت المطر.


غلايين خشبية وأعمدة تبغ اسطوانية تنفضُ رمادها عنها لتحافظ على توقد جمرة الحياة الصغيرة داخل المدخن، اشتعالٌ متكرر أعني محاولات متكررة، ووعدٌ بلحظة تبغٍ أخيرةٍ على سرير الوداع.


في لحظاتٍ خاطفةٍ تعني الكثير، لأن الاتكالَ على المعنى هنا والآن, هنا والآن: تنفسٌ استثنائي، واكسجينٌ مجلوبٌ عبر جمرة تبغٍ لاذكاء شهوة الأحاديث واللقاءات.. الصامتة.


ندخنُ لأن هذه فرصتنا كي نرى زفيرنا محمولاً على بياضِ طائر الدخان، ندخنُ لعبة إنتاج واحتراقٍ مرئي، ندخنُ لأننا نتشبهُ بالطبيعة وهذا ضبابنا وغبارنا، لماذا ندخن؟! لأننا نحترق، وندخن لأننا تنانين بلهاةٍ مقلوبةٍ ومستعارة، ولأننا نظن أنهُ أمرٌ ينفعُ في الحياةِ لأن الحياة بمضاداتها.


التدخين مجسمٌ لحياة الفرد بدءاً من الاشتعالِ الأول إلى المنفضة التي هي مقبرةُ أجساد، ندخنُ إلى أن نرمى كعقب سجائر وندفنَ في التراب، بعدَ اشتعالٍ هوَ العمر.


ندخنُ أخيراً لأننا مهزومونَ سلفاً في معركة البقاء النفعيّ، لكن لصدفة عجيبة ومجهولة داخلنا نجد النصر يخطئ الحسابات ويقف بين أيدينا بعدَ كلّ معركة بقاء، لذلك ربما ندخن!



ماغريت هذا ليس مدوخ 1928م