الأحد، 24 فبراير 2019

وصايا فيثاغورس الذهبية

وصايا فيثاغورس الذهبية١

لوحة فيثاغورس يستقبل الشروق للفنان الروسي فيدور برونكوف

قال فيثاغورس: أول ما أوصيك به، بعد تقوى الله، تبجيل الذين لا يحل بهم الموت من الله تعالى وأوليائه، وإكرامهم بما توجبه الشريعة، وتوَقَّ اليمين، ثم أوصيك بامتثال ذلك في خدمة الباصرين في مذاهبهم.
وأوصيك أيضاً بتبجيل عمّار الأرض، بفعل ما توجبه الشريعة في إكرامهم.
وأوصيك بإكرام سلفك وأقربائك.
وأوصيك أن تتخذ من سائر الناس أفضلهم صديقا، لتكون صديقاً للفضيلة، وأن تلين له جانبيك في الكلام وفي الفعل، ما أداه ذلك إلى المنفعة، ولا تستفسد صديقاً لهفوةٍ تكون منه ما أمكنك، على أن الإمكان قريب من الضرورة، فهذا أول ما ينبغي أن تعلمه.
ثم ينبغي أن تتعود ضبط نفسك عن هذه الأشياء التي أنا ذاكرها، أولها: أمر بطنك وفرجك، والغضب والنوم.
واحذر أن ترتكب قبيحاً من الأمور في وقت من الأوقات، لا على خلوة ولا مع غيرك، وليكن استحياؤك من نفسك أكثر من استحيائك من كل أحد. ثم ينبغي لك أن تلزم نفسك الإنصاف في كلامك وفعالك، ولا تحملن نفسك على ارتكاب أمر من الأمور بلا تمييز، بل اعلم أن الموت حالٌ بجميع الناس لا محالة.
وأما المال، فليكن قصدك فيه اكتسابه في حال، وإتلافه في حالٍ آخر.
وما قد ينال الإنسان من الأشياء المؤذية بالأسباب السماوية، فاصبر على ما ينوبك من غير أن تتذمر بل تروم مداواتها بقدر طاقتك. وينبغي لك أن تعلم أن ما ينوب الأخيار من الناس من هذه الأشياء ليس بالكثير.
وإذا سمعت من كلام الناس الكثير: جيده ورديئه، فلا تمتعض منه، ولا تحملنّ نفسك على الامتناع من استماعه، وإن سمعت كذباً فهون على نفسك الصبر عليه.
وما أنا قائله فأجر أمرك عليه في كل ما تستعمله: لا يحملنّك أحد، لا بكلام ولا بفعال، على أن تفعل ما ليس بالجميل ولا تتفوه به. وروِّ قبل الفعل، كي  لا تعاب في فعلك. واحذر أن تقول أو تفعل ما يستجهل منك، بل ينبغي أن تقتصر فيما تفعله على ما لم يعُد بالضرر عليك. ولا تفعل فعلاً وأنت جاهل به، بل تعرف في حالٍ وفي كل واحدٍ من الأفعال ما يجب أن تفعله، فإنّك حينئذٍ تُسرُّ بمعاشك. ولا ينبغي لك أن تهمل أمر صحة بدنك، لكن تعني بالقصد في الطعام والشراب، وأسباب الرياضة، وإنما أعني بذلك القصد: ما لم يضر. وعوّد نفسك أن يكون تدبيرك تدبيراً نقيّاً غير مضطرب. واحذر أن تفعل ما يجلب عليك الحسد. ولا تكن مِتلافاً بمنزلة من لا خبر له بقدر ما في يده. ولا تكن أيضاً شحيحاً فتخرج عن الحرية، بل الأفضل في الأمور كلها هو القصد فيها. وليكن ما تفعله ما لا يعود بالضرر عليك. واستعمل الفكر قبل العمل. ولا تساعدنّ عينيك على النوم قبل أن تتصفح كل واحدٍ من الأفعال التي فعلتها في نهارك أجمع. فتقف قبل نومك في الموضع الذي تجاوزت فيه ما ينبغي إن كنت فعلت ذاك عمّا زُلتَ إن كنت زُلتَ، وعلى ما فعلته مما كان يجب أن تفعله، وما كان يجب أن لا تفعله ففعلته، وما كان يجب ألا تفعله ويتصل ألا تفعله فلم تفعله، وابدأ من ذلك من أول ما فعلته، وأجرِ تفقدك فيه إلى آخر ما فعلته. فمتى كنت أتيت مكروها، فليذعرنّك؛ ومتى كنت أتيت رضيا، فليبهجنّك. فعلى هذا فليكن حرصك، وفيها دؤوبك، وإليها فاصرف همّتك، فإنها توطئ لك ما يرقّيك إلى الفضيلة الإلهية.
إي والذي وهب لنا الينبوع من ذا الأربع من الطبيعة التي لا تتغير! متى التمست فعلاً من الأفعال فابدأ بالابتهال إلى ربك بالنجح فيه، فإنك إذا لزمت ذلك، ولم تخالف هذه الوصايا، وقفت على كنه ما يجري عليه الأمر، في تدبير الله تعالى وأوليائه؛ وفينا، معشر الناس، ما منه زائل في الواحد بعد الواحد، وما منه ثابت. وعلمت ما قُدر من مجرى الطبيعة في كل شيءٍ على مثالٍ واحد كيما لا ترجو لها ما لا يُرجى ولا يذهب عليك أمرٌ من الأمور. وعلمتَ أن الناس بشقاء جدّهم الذي اختاروه لأنفسهم بإرادتهم في حدّ مَن يُرثى لهُم، إذ كانوا مشرفين على الخيرات وهم لا يقفون عليها ولا يتفقدون أنفسهم فيما بُلوا به، فإنّ الشاذّ من الناس يتهيأ لهُ استنقاذ نفسه من الشرور. وإنّ ما بُلوا بهِ من ذلك هو الذي يقدح في قلوبهم وأذهانهم، فهم يتقلبون في الشر، بمنزلة ما يتدحرج في الأوقات المختلفة إلى آفاتٍ مختلفة وإلى أحوالٍ مختلفة، فيقعون في شرورٍ لا إحصاء لها، وذلك أن الشر الملازم للغريزة بخبثه يُنكئ، وهو لا يشعر، وقد ينبغي ألا يُساعَد، بل يهرب منه بإظهار الاستخذاء له. 
يأيها الأب الواهب للحياة! حقاً أقول إنك لقادر على أن تدفع عنهم بلايا كثيرة إن ظهرت لهم السكينة التي جعلتها فيهم. لكنك أنت، أيها الإنسان، ينبغي لك أن تتشجع فإنه إذا كان في الإنسان جنسٌ إلهي، فالطبيعة الإلهية تقوده إلى الوقوف على كل واحدٍ من الأشياء التي إن نلت منها حظاً من الحظوظ ولزمت ما أشير به عليك، وشفيت نفسك من هذه الأوصاب والأضغاثنجوتَ سالماً. لكن اشبع من الأطعمة التي ذكرناها، واجعل امتحانك لها بتزكية النفس وحلّ أسرها من جسدها. وخبّر الناس بما تقف عليه في واحدٍ واحد. واجعل القيّم المشرف على ذلك التمييز الصحيح، فإنك عند ذلك إذا فارقت هذا البدن حتى تصيرَ مخلّىً في الجو، تكون حينئد سائحاً غير عائدٍ إلى الإنسانية ولا قابل للموت. والسلام.


وقيل له: من أنت؟ وما أنت؟ فقال: أنا من حيث أنا "من" فأنا مَلك، ومن حيث أنا "ما" فأنا طينة، ومن حيث اختلاط "من" ب"ما" فأنا إنسان، ومن حيث تصفية الأخلاط فأنا رب. وهذا مجموع من كتاب ايامبليخس، لتبيين وصايا فيثاغورس المعروفة ب"الذهبية"، التي يقال أن جالينوس الفاضل كان يقرؤها كل يوم، غدواً وعشية تعظيما لها وأخذاً بها.