الجمعة، 14 أغسطس 2015

حدس الموت عند الشاعر حمد الخروصي


حدس الموت عند الشاعر حمد الخروصي
من حسابه على الانستجرام


ابحث في المتاح على الانترنت من قصائد ونصوص الشاعر النبيل الراحل حمد الخروصي عن مؤشرات الوداع الروحي، ذلك الوداع الذي تسربه الروح الى الحياة قبل رحيلها، التصرفات الاخيرة التي لا تفهم في لحظتها ولا تأخذ معناها الكامل الا بعد الوفاة، هناك تحت تأثير حدث الفقد علينا نعيد قراءة تلك الاحداث الأخيرة والكلمات القليلة في حياة الراحل بضوء الفقد فيظهر معناها واضحاً وجلياً.
يتكرر الموت وذكره في نصوص حمد الخروصي التي عثرت عليها بعد دورة بحث ضيقة، كان الاصحاب في المقهى يعرضون صورة صورها الشاعر قبل رحيله لمقبرة لكني لم اجدها، مع زمن البحث الضيق، لكني وجدته يكتب في ٢٢ يوليو على حسابه في تويتر
“مع كل موت نكتشف ان الحياة خدعة، كل هذا التفكير بلا جدوى” 

في الاثناء كان يستعرض في نفس الحساب كتاب الصراع على سيادة اوروبا، كان يقرأ تاريخ حروب البقعة التي سيموت فيها بالنوبة القلبية، وكرر شكره للكاتب آلان تايلور على المعلومات المهمة التي استقاها من كتابه، كانت القراءة استعداداً منه لرحلته، لم يكن يعرف ان داخل الرحلة رحلة اخرى مخبأة، ام انه كان يعرف؟

في ٣ نوفمبر ٢٠١٤ كان يكتب:
من زمان وخاطري ارحل بعيد ولا أعود 
يا احْتياجي للرحيل 
يا حنيني للحدود

الملصق الاخير في حسابه الانستجرامي ينشر فيه فيديو وهو يلقي هذه الابيات على ضفاف جدول:
احتاج لك خد وعيون وغصن واشقر هاف
مثل ذيك الرموش اللي قراها اول اطماعي
واقول احتاج لك مثل الوطن لا بلت الاكتاف
لا صار السحاب احمر وصار الريح مشراعي

قبلها كان ينشر قصائد عن طول الطريق والاحلام الشائبة، عن الحنين للحب، عن الحبيبة، وهو الذي كان شغوفاً بالبحث عن الشعر الشعبي القديم وتوثيقه وله رحلات منشورة في الصحف يتابع فيها الشعراء الشعبيين، حياة قصيرة لكنها غنية بالعمل، وتلك علامة اخرى اكيدة من الروح، هكذا عثرت على شهادة كتبها حمد عن حياته: 
مرّت حياتي دون ما أدري بها
حتى القصايد في الحزن تتشابه
ماسك نجوم الليله وأرمي بها
نجوم ليل البارحه الكذّابه..!!

في ١٦ مارس كان حمد يكتب يحلم يتنبأ كما لو عن حادثة غامضة مقبله، كما عن استشراف مستقبلي، مشهد صغير مر مرور الصور الشعرية ولم يكن احد يدري وربما حتى حمد نفسه ان ذلك المشهد لم يكن الا السيناريو الحقيقي القادم لتلك اللحظة الحرجة من النوبة القلبية ليلة وداعه:

اذكر كان من خلفي يناديني قلب خواف
امل يمسك طرف ثوبي وصوت يطلب ارجاعي
واذكر كان يمسكني ظلام وشي ما ينشاف
انا كنت احسبه انتي واثرها ليلة وداعي!


اتمنى ان نجد ويجد القراء في معارض الكتب القريبة القادمة ديوان حمد الخروصي المطبوع، كي لا يجرف النسيان شاعراً بمثل هذه العذوبة والرقة والصدق والشفافية، لان حياته انقضت لكن حياة كلماته مستمرة وتبدأ الآن.
صحيح انه قد رحل لكنه كان هنا عاش حالماً يتابع اسراب المعاني وظباء الشعر الجافلة ونوقاً اسطورية قديمة محملة بمناديس الكلمات، سافر الى احلامه، تابع غاياته، وحين بلغ النهاية سقط قلبه من التعب، ودلف في الغياب البهي والفقد فبكته عيون البلاد، كما نحزن ونبكي اصواتنا الشخصية كما لو اننا نصبح بكماً يصير غياب الشاعر معادلاً لموت صوتنا.
كل الأحبة يتجمعون حول زهرة القصائد والكلمات لأنها علامة اخيرة تحيينا بابتسامته.


*رحل الشاعر حمد الخروصي عن عالمنا في ٦ اغسطس ٢٠١٥م مبكراً اثر نوبة قلبية في سويسرا وهو من مواليد ١٩٧٦م