الأحد، 12 نوفمبر 2017

أحلم

الحدود..١ لوحة ٢٠١٥ للفنان الصيني شانغ شينغجيان


سندت الأرض بكتفي،
عانقت كل البشر 
بأحضان حبي،
شفاهُ كلماتي
قبّلتْ شفاه الناس،
أنا الشاعر
وهذا حلمي النقي.

رأيت أبعد الآفاق
لما كانت الأرض
قصيدة في كلمة الله
والقارات والحيوات وأنت وأنا
مجرد لمعانٍ سعيد

احتضنت التراب بدمي
رعيت القلوب في السهول الخضراء
أبحرت بالأرواح فوق الزرقة
وطرت فبلغت النجوم.

فتحتُ بالحلم والكلمات
أسحار الزمن
وثّقت بختم روحي 
بين الأحبة
وثائق الغرام.

شققت مجرى واسعاً 
أجريت فيه أنهار الأحلام
ودعوت الشعريين
لنسبح معاً
فوق الشلالات.

كلمة حالمة
تجاوزت صدى الآلات الموسيقية
حلقت بأجنحتها داخلنا 
رفعتنا عالياً في السماوات
وصبت نبيذ الأصوات
في عروقنا الروحية.

صورة نقية
جسدتْ حدّاً من جمال مجهول
عانقتْ أجمل اللحظات
وسمتْ بها عالياً 
كملاك.

رآني البعيدون
أسبح في بحرٍ آخر
له موجٌ معكوس
مدّهُ جزره 
يحدث كل يوم من حياتنا
ولا يستطيعون أن يدعوه واقعاً.

وأنا رأيت واقعهم 
أحلاماً عاصية
مطرودة من جنة الأحلام
تساق في التيه 
بخطاياها.

الواقع ما نحلم به
الحياة ما نفهمها
العيش ما نمارسه
والوجود ما يمكننا.

أجنحة أحلام ولدت حقائق
وطارت في سماوات حب
مشت بقلبٍ تلتهبُ قُبُلاته
حتى انكشفت رقة الصخر الخجول
لكل الناس.

آمنا بالأحلام
حتى
تفتحت أرواحنا بساتين
باتساع الآفاق المتلألئة.

اكتشفنا داخلنا
عمق العشق
خطفتنا بهجة من جمال
وأخذتنا لأرض الحياة.

مرات
نرمق من بعيد
وترمقنا
نظرات ميتة
كلما لوّحنا لها
التفتت ساخطة.

الحلم قاد أفئدتنا
غذّ بها السير 
نحو الغد الحي
فجربنا متعة حياتنا.

هكذا كلما 
خرجنا من البيت
بلا حلم
تتجمد البحار
وتسكننا
هوة من ظلام.

لا زالت أصواتنا الطفولية
تزورنا على بعد الزمن
ونحن نستقبلها بالضحكات
والألعاب والحلوى.

نحلم فنحيا
نخطو في الدرب الحي
تشرق شمسٌ من الأحلام
فنعانقها 
كل صباح.

الحلم شاعرٌ عظيم
أسكننا قلعته الحصينة
بكل وجودنا الصادق
كلما حاول الواقع العادي
محاصرتنا 
بكل أسلحته العدمية
نسمو لنرقص عالياً 
مع القصائد الخالدة
في بدائع الكون..






الأربعاء، 8 نوفمبر 2017

آخر مرة



آخر مرة للورد
تكدّسَ ذهبُ الربيع
رأيتُهُ تلك المرة
دون أن أعرف
أية مرةٍ أخرى.

الثانية النهارية
مشبعة بالضوء،
خَلّفَ نسيمُ السحر
بناتَهُ قطرات ندى،
انتفض الوقت
في ارتعاشات الزمن..
كأن لم تكن
آخر مرة.

نظرة عينيك الغارقة في الحب،
جرحُ الحقيقة المضيء،
طعمُ قصيدةِ الحياة،
بلا مرّةٍ أخرى.

أتذكر التفاتتك
ناديتك بين الذاهبين
تصافحنا وضحكنا
في الطريق،
دخلت في ظلي
واستنارت العتمة.

آخر مرة،
أكان علينا تجنّبها
أم ملاقاتها
ككل مرة؟

سامحوهم آخر مرة
كل مرةٍ اغفروا
لن يعودوها ثانية
أنا أعدكم
فكل مرة داخلها 
اللقاء والوداع.

آخر مرة 
انقطعت أغصان الزمن،
لمعت مرةٌ يتيمة
باباً للذكرى
بلا مرةٍ ثانية.

قطر الندى كل مرة
دائماً في نفس الوقت
على ورق الورد
آخر مرة.


الجمعة، 6 أكتوبر 2017

مجاراة أحمد شوقي

مجاراة أمير الشعراء
أحمد شوقي 

توفي ١٤ أكتوبر ١٩٣٢م


(إِلام الخُلفُ بينكمُ إلاما) ألم تشبع نفوسكمُ انقساما/ وإن فضلتم طبعَ التعادي فدونكم الحصاد كما ترامى/ تحرّقتِ (البلادُ ومن عليها فوجه الأرض) ممتلئٌ سخاما/ بكلِّ دُويلةٍ فتنٌ تتالت تفتتها انكساراً وانهزاما(ملأنا البرّ حتى ضاق عنّا) وأشعلنا عداوتنا ضراما/ ينامُ عدوّنا أمناً ويخشى أخونا غدرنا إن كان ناما/ حكمنا بعضنا قهراً وظُلما وشتتنا أهالينا انتقاما/ ولم يصلُح لنا في الأمرِ شأنٌ فحطمنا الصروحَ بمن أقاما/ نقودُ بلادنا حرباً فحرباً وموتاً يحتسي الأرواح جاما/ مصائبُ ضجّتِ الأفلاكُ منها تُشيبُ لِهَولها منّا الغلاما/ كأن الغدرَ أخلاقٌ تواصى عليها أهلنا يمناً وشاما/ كأن البُغضَ والشحناء فينا مواريثٌ ورثناها التزاما/ نُوزّع وُدّنا شرقاً وغرباً ونمنع عن قرابتنا السلاما/ وجيرتنا بنا أولى صفاءاً نخص به عدوّينا ازدحاما/ وقد شمتت بنا الأجناسُ حتى تَنزّهُ ما تقومُ لنا احتراما/ إذا ما حلَّ خطبٌ في بلادٍ تُهمنا أولَ الناس اتهاما/ وشبت بيننا حُرُبٌ ضِراسٌ تُساقط شُمَّنا هاماً فهاما/ تُوزِّعُ في أراضينا أذاها وتتركها إذا بقيت حُطاما/ تفنّنت الدواهي في بِلاها انقطاعاً وانهزاماً وانصراما/ ملأنا من شبيبتنا سجوناً وخلفنا ذرارينا أيامى/ إذا قامت لنا دولٌ نُباهي بزهرتها هدمناها انهداما/ دعوا عنكم نفوساً من صغارٍ فإن عظائمَ الأهوال قاما/ إذا استغنيتم كُنتُم فساداً وإن أعدمتمُ صرتم طغاما/ طغى وحلُ الصدور بما كسبتم بغِلٍّ آدَ حتى جاش طاما/ ألا أهديكم حقاً قويماً يطهّر أنفساً كسبت أثاما/ دعوا الشحناء والبغضاء فيكم تموت وأبدلوا عنها السلاما/ دعوا ضيق النفوس فقد ملأتم صحائفكم من السخف الملاما/ وزكوا فعلكم قلباً وقولاً وخَلّو الخير بينكم إماما/ تواصَوا بالتراحم والتراضي وكونوا عروةً وثقى زماما/ وبالإحسان والحُسنى استقيموا أكارم في محبتهم كراما/ ألا اعتصموا بحبل الله حقاً وكونوا إخوة ولدوا وئاما/ إذا اتحدت قلوبكم بلغتم عرى الحق القويم غداة قاما..