الثلاثاء، 18 فبراير 2014

أنسي الحاج نهاية الصمت فبراير تنفيذ وصية٢٠١٤

http://www.alghawoon.com/mag/art.php?id=137
كان هو القائل:«المفروض في شاعر حيال موت عزيز عليه، واحد من موقفين: العجز عن الكلام، أو الموت فوق الميت» لذلك هذا تعبير عن العجز
عن الكلام وهنا نص مستعاد عن صمت أنسي:

مؤسسة الغاوون الثقافية

(شاعر عُماني مواليد مسقط 1975، وقّع كتاباته السابقة باسم «إبراهيم الحجري»، له: «معمار الماء»، دار شرقيات 2006)
أكثر ما يُثير النقد اليوم في أنسي الحاج ليس ما قاله، بل ما سيقوله، هكذا تدور نقاشات عدّة - نُشرت أم لم تُنشر - حول أنسي الآن، بالأحرى حول شعر أنسي الآن: هل ننتظر جديداً يضيفه إلى شعره، وهل ثمة جديد حقاً؟ قارئ أنسي الحاج المبهور به منذ «لن»، أي منذ أربعة عقود من الزمن، وهذا هو العقد الخامس؛ يريد هذا القارئ منه أن يعرض روحه الشعرية عاريةً من جديد، لكن أنسي توقّف منذ 1975، بالتحديد منذ ما جاءت الرسولة وامتدّ شَعرُها وغطّى الينابيع، ولم يعد الوصول إلى الينبوع ممكناً لطول شَعر الرسولة، لكن قارئ الشعر لا يصدّق أن الشاعر لا يملك حيلة الشِّعر أمام شَعر الرسولة.
سؤال القارئ بسيط هو: ما آخر قصائد الشاعر؟ سؤال مشروع جداً يقابلنا أينما وجدنا أنسيّاً، لكنه للأسف بلا إجابة. الإجابة موجودة لدى أنسي الحاج في مكان ما بين قلمه وأوراقه، أو في مكان بين أدراج مكتبه والمقالات التي يكتبها في جريدة «الأخبار» («خواتم 3»): أنسي الحاج ما يزال يكتب، يكتب الـ«خواتم»، لكن لماذا الـ«خواتم» من جديد؟ نص «خواتم» شذرات فكرية ونقدية وجمالية، شذرات تأمّلية إلى الدرجة التي يتمنى فيها نزار قباني خاتماً من «خواتمـ»ـه، لكن نزار قباني ليس شاعر قصيدة نثر! إذاً فموقع «خواتم 1 و2» هو موقع خارج قصيدة النثر؛ إنه في النثر بلا قصيدة. أيضاً، تكريم أنسي الرائد هو تكريم للماضي، والدواوين الأولى يتيمة الآن، وهذا اليتم يتحقق عندما يُعنون أنسي الحاضر مقالاته في جريدة «الأخبار» بـ«خواتم 3». هي «خواتم» إذاً للمرّة الثالثة وليست «لن» ولا «الرسولة... » ولا «ماذا صنعت بالذهب ماذا فعلت بالوردة» ولا «ماضي الأيام الآتية»، ولا «الرأس المقطوع»... أنسي يُحاول أن يكتب/ يختم منذ التسعينيات، ولا يزال يحاولُ الكتابة/ الختام، لكن الختام لم يَحِن بعد. تخلّفَ أنسي عن موته كما سيستشهد، مكرِّراً، رغم أنه يرغب في الختام، في الـ«خواتم»، وفي مصلحة الخواتيم.
إذا كان أنسي حقاً يريد التوقف من عنوان «خواتم1»، فهل نستطيع أن نستنبط دلالة نصّيّة من ذلك، أو حتى من النصّ الآتي: «لا حاجة إلى الحضّ على الشعر فالأكثرية تميل إليه. لا ننفّس بالشعر ما نعمّره في الرواية... أعطى الشعراء الشعرَ حرّيته، لتعطِنا الرواية حرّيتنا!» («خواتم 3»، جريدة «الأخبار» 10 آذار 2007).
هل يفكّر أنسي في كتابة رواية، سيرة ذاتية، «كلمات كلمات كلمات»، أم لا؟ الحرية تُطلب الآن من الرواية لا من الشعر، لأن الشعر أُعطي حرّيته، كما كتب أنسي الشاعر، وكما سيكتب طالباً من الرواية أن تعطينا حريتنا. هل فعلاً تستطيع الرواية أن تعطينا حرّيتنا؛ حرّيتنا المستحيلة؟
يصمت أنسي الحاج عن الشعر، لكنه يكتب عن الشعر، يصمت/ يكتب، وعن الصمت يقول: «المفروض في شاعر حيال موت عزيز عليه، واحد من موقفين: العجز عن الكلام، أو الموت فوق الميت» («خواتم 3»، جريدة «الأخبار» 10 آذار 2007). الموت هو موت كلام الشاعر أي الصمت، والعجز عن الكلام هو الصمت أو موت الكلام إن شئنا، في حين أننا معنيّون بالشاعر بسبب شعره، أي بسبب حياة الكلام، لأن أهمية الشاعر تأتي من حياة الكلام الشعري لا من وجوده بلا كلام ولا نصّ، الشاعر يثبت هويّته من طريق اللغة، ولا سبيل إلى امتناعه عن النطق. طلب الصمت مستحيل على الشاعر، لأن كُتُب كافكا وابن رشد لم تحترق. إذا كان الشاعر في قدرٍ شعريّ يجعله لا يكترث بالقارئ فإن الكتابة عن النصّ لا تستطيع ألا تكترث بالقارئ، لأن مكانها بالتحديد بين القارئ والنصّ، والشاعر حين يدعو إلى وليمة الصمت فإنه يدعو إلى موت الذات الشعرية أمام موت العزيز، هل تلك هي حقاً، وهل سيصمت أنسي أمام موت العزيز، أم أنها الدعوة التي هي الأمنية؛ أمنية الصمت؟
أنسي الحاج في الحقيقة صامت عن الشعر منذ العام 1975، وإن شئنا صورةً شعريةً فلنقل إنه يكتب صمت الشعر منذ العام 1975. كبر صمتُ شعر أنسي وصار شاباً، وأمام الصمت لا نستطيع شيئاً. لا يمكن الجزم بشيء أمام الصمت حتى يتكلّم. كلّ فرضية قد تكون خاطئة أمام الصمت. رغم ذلك فالصمت إجابة مفترضة.
«خواتم» رغم جمالها وقوّتها لم تستطع أن تُغلق الستارة لأن «خواتم» ليست صمتاً، لذلك يَعْلَقُ حبل الستارة في السماء ويستعصي. المتفرّجون ينتظرون منذ أمد طويل ولم يملّوا الانتظار. الانتظار واضح في كلمات من يكتبون عن أنسي الحاج أو في المؤتمرات التي تكرّمه، وحتى في هذا العدد من مجلة «نقد». الجميع ينتظر والانتظار طال، حتى لربما قد يبدو الرهان خاسراً، لكن الرهان الذي يبدو على وشك الخسارة هو الرهان الفنّي الذي يشدّنا أكثر، لأن المتفرّجين - وفي هذه الحالة القرّاء - يستمتعون بأن يروا الرهان خاسراً تماماً وينتصر في النهاية. أنسي الشاعر يعلم لربما أن هذا الاحتفاء كلّه هو رغبة في سماع جديد، والرغبة في الجديد هي رغبة في أن يدوم الشاعر. إنها الرغبة الملحّة في ديمومة الشعر. الجميع ينتظر، ومقالات أنسي في جريدة «الأخبار» لن تشفي التعطّش إلى ديوان آخر، إلى «لن» أخرى حتى لو جاءت بشكل «لم» أو «لا» أو «نعم». ثمة جزء ناقص من قصيدة أنسي هو الآن. قصيدة أنسي أنجزت صعودها: ماضي كلامها، لكنها لم تقل كلمتها كلّها عن الآن، بقيت كلمة شعرية، وطول الانتظار يجعلها أثمن وأغلى وأشهى، لكن متى تأتي تلك الكلمة حقاً، أو هل ستأتي؟
تحاول الكتابات عن أنسي الحاج أن تمارس ضغطاً على الشاعر كي ينفجر، الجميع يتعمّدون إشعال الشرر. أنسي لا يستطيع الهدوء بعد الآن، لا الخاتمة الهادئة ممكنة، ولا الصمت الطويل ممكن. أنسي «محروم» من موت الكلام. شعوب الحنان تحاصره. عليه أن يتكلّم أمام موت الشخص العزيز على الشاعر. مأزق حقيقي انخرطنا فيه جميعاً في وصفنا قرأنا أنسي الحاج. اللعنة هذه المرّة تلاحق القرّاء. اللعنة لم تختفِ؛ إنها الآن تلاحقُ الشاعر والقرّاء معاً.
في الما بين، بين الشاعر وقرّائه، يتأكّد جمال الشعر المستحيل تعويضه بآخر. الشعر هو المطلوب في ما بين الشاعر وقرّائه وليس شيئاً آخر. الشعر ذاته. وفي الما بين يتمّ التأكيد على أن قرّاء الشعر هؤلاء لم يكتفوا بما قيل سابقاً، ولا بـ«خواتم» ولا «الوليمة»، الشهوة تلتهب من أجل شعر جديد، من أجل ظهور نصّ الصمت الشعريّ الطويل، من أجل الانشغال الأساسي والآخر الذي ليس هو الانشغال برئاسة تحرير «النهار» («الوطن الأمثل، المحراب المقدّس، حلم ومنبر ونبراس وقلعة»، الاستقالة)، ولا بكتابة المقالات في «الأخبار»، لأن أنسي الحاج ليس بكاتب مقال بل هو شاعر، وهناك مكمن السحر كلّه. ومن أنسي لا ننتظر المقال بل القول. لا ننتظر المقالة بل المقولة، والشاعر ليس بئراً لينضب.

مجلة «نقد» الفصلية، العدد 5، كانون الثاني 2008

الجمعة، 7 فبراير 2014

الحمْدي الأعمى الشعري من يدلّ من؟

الحَمْديّ الأعمى الشعري، من يدل من؟


هل يستطيع الأعمى أن يصل إلى النور؟ هل بإمكانه رؤية النور؟ كيف تتقاطع حياته مع من يأخذون بيده ليدلوه الطريق؟ ومن يدل من؟!
تلك بعض أسئلة الكتاب الذي يصدر عن دار سؤال البيروتية (الحمدي الأعمى الشعري) لإبراهيم سعيد، يقع الكتاب في 160 صفحة من القطع المتوسط وتدور أحداثه حول شخصية الحمدي المحورية وهو رجل كفيف في حدود أربعينيات العمر.
هل بإمكاننا أن نقوم بالعكس وبدلاً من أن نقوم بإرشاد العميان، نستسلم نحن ليقوموا هم بإرشادنا إلى الطريق؟
الكتاب محاولة لاقتراح إجابات ممكنة على عدة أسئلة محيرة تحيّر طلاب العلم في حلقة الشيخ الأعمى الذي يجيبهم بحكاية عن الأعمى الذي يخرج من بلدته غاضباً ويدخل بإرادته المتاهة التي تتحول لمتاهة مضاعفة.. فهل سيدل الأعمى الطريق؟
في نفس الوقت الذي يقوم العمل فيه بمحاولة الإجابة يقوم أيضاً باستثارة وإنارة أسئلة جديدة كامنة بين الظلام والنور. عن الحياة وعن الذات، تتخللها صور ولمحات اجتماعية سبكت في شبكة سردية، بين قوالب نصية تتفاعل بين أحداث الحكاية والنص، ويحوي العمل نصوصاً أنجزت خصيصاً للجزء الثاني من المتاهة لتكون بمثابة محطات طاقة!

العمل يسير بين أنماط الكتابة المختلفة بطريقة النص المفتوح دون التمسك بقالب أسلوبي واحد، زينت الغلاف صورة جميلة للفنانة خالصة الرواحية أما تصميم الغلاف فأنجزه الفنان محمد الحبسي..


حلقة من برنامج الشاعر صالح العامري عن كتاب الحمدي ونصّان من الكتاب: